العطور وتاريخها
عرف الإنسان متذ العصر الحجري العطر من استنشاقه للورود والأعشاب ,فكان يقصص الأعشاب العطرية ويحرقها لتعطيه الروائح العطرة والفواحة وكان ذلك غالبا مخصص للزينة.
العطورات في الحضارة الإسلامية
مع أن الحضارة الإسلامية ورثت الكثير عن الحضارة الأغريقية بصناعة العطورات إلا أن العرب هم أول من استخدم تاج الزهرة لاستخراج ماء الزهور منذ 1300 سنة، ولم يستخدم العرب تاج الأزهار كعطرٍ فقط بل استعملوها كدواء أيضاً. ولعل أقدم أنواع العطورات في العالم يدعي “عطر الورد” وقد كان رائجاً جداً لدي القبائل العربية، تعتبر الأزهار مثل الياسمين والبنفسج وزهر الليمون والورد وغيرها، من المصادر المهمة لاستخراج العطورات عند القبائل العربية، ولكن جوهر العطر يستخرج من مصادر أخرى غير الأزهار، كالخشب ولاسيما خشب الأرز وخشب الصندل.
ومن الأوراق مثل النعناع والغرنوق والخزامى، ومن جذور معينة مثل الزنجبيل والسوسن، إن الطريقة العربية لصناعة العطور تكمن في استقطار تيجان الأزهار مع الماء، وتكون عبر وضع رقائق من الزجاج في إطارات خشبية حيث تغلف بدهن نقي وتغطي بتيجان الأزهار وتكدس الواحدة فوق الأخرى. ويجري تبديل التيجان بين حين والآخر إلى أن يمتص الدهن النقي الكمية المطلوبة من العطر.
ولعل أفضل العلماء في صناعة العطورات هو ابن سينا الذي اكتشف طريقة استخراج العطر من الورود والتي سميت فيما بعد بالتقطير، وأيضا من أبرز العلماء العرب في صناعة العطورات هو الكندي الذي ذكر في كتابه (كيمياء العطورات) قائمة طويلة لعطور متنوعة وكان في أغلب طرقه يستخدم المسك والعنبر كجزء أساسي لايتجزء في أغلب العطور.
العطور في الحضارة المصرية
كان لمصر دور كبير في تأسيس صناعة العطورات وكانت توجد طريقتان لصناعة العطورات: الأولى وهي وضع الأزهار في لوحة كبيرة من ورق البردي له طرفان تمسك به سيداتان ويوضع الورود مع قليل من الماء في داخل اللوح ثم تدور كل سيدة الطرف الذي تمسك به عكس اتجاه السيدة الأخرى فيتم عصر الورود وكان يوضع اسفل منهما إناء كبيرة ليسع الكمية المعصورة ثم بعد ذلك تحفظ في أواني مزخرفة وكان يصنع للملكات وزوجات الأمراء والكهنة للتزين به عند الحفلات وكان للطبقات الغنية لا لباقي الشعب، الطريقة الثانية وهي وضع الورود في إناء فخاري صغير الحجم وحرقه لأعطاء رائحة عطر للجو وكان هذا النوع من العطور جزء من القرابين المقدمة للآلهة أو لتوديع الميت ولم يكن لأغراض الزينة.
العطورات في الحضارة الإغريقية
تاريخيا، أول العطورات وجد في الارض كان في جزيرة قبرص على يد علماء طليان في سنة 2004 الذي يرجع تاريخه إلى 4000 سنة مضت اي قبل الميلاد ب2000 عام، وأيضا اكتشفت إحدى البعثات ان قطعة أرض تبلغ حوالي 4000 متر مربع كانت مخصصة لصناعة العطورات والتي غالبا اخذت طريقة صناعتها من الحضارة المصرية القديمة التي تشابه طريقة الصناعة والأغراض المستخدمة والتي تناقلت فيما بعد إلى روما إبان الامبراطورية الرومانية العظمى.
العطورات في الحضارة الأوروبية الحديثة
اخذت القارة العجوز أغلب طرقها من العرب وكان أكثر الناس اهتماما بعلم العطور هم الهنغاريون الذين أضافوا الكحول إلى صناعة العطورات، ويعتبر أول عطر يستخدم فيه مواد الكحول كمواد أساسية كان في عام 1370 ميلادي وكان تكليفا من الملكة اليزابيث ملكة المجر آنذاك، والذي أطلق عليه فيما بعد الماء الهنغاري نسبة للهنغاريين.
إقرأ أيضاً
ومن الملكات اللاتي اهتموا بصناعة العطورات هي الملكة كاترين دي مديشي ملكة فرنسا السابقة التي كلفت صانع العطورات الخاص بها(رينى لن فلورينتن) بإدخال أنواع جديدة من العطور ولكن لم يعرف أي شيء عن طرقه وذلك لسرية مختبره، خلال عصور النهضة تمكنت قرنسا من السيادة في مجال صناعة العطورات فقد كان يصنع في جنوب فرنسا أهم العطورات ومستحضرات التجميل العالمية، وعرفت طائفة في فرنسا خلال القرن السابع عشر باسم (صانعوا العطور) والتي كان لها تأثير كبير وضار في بعض الحالات حيث كانت تستخدم مواد سامة وضارة في صناعتها للعطور.
فعلى سبيل المثال ماتت إحدى الأميرات الفرنسيات بسبب استخدامها للعطور في تجميل بشرتها والتي أثرت على سمعة هذه الفرقة، واهتم ملوك فرنسا جميعا بالعطورات فخلال القرن الثامن عشر كان الملك لويس الخامس عشر مهتم جدا بالعطور فقد كانت عربته الملكية تدهن كل صباح بالعطور وكان أثاثه يدهن يوميا بالعطورات وكانت ملابسه تظل داخل إناء العطور لعدة أيام.
ولم يهتم الملك لويس الخامس عشر بالعطور في حياته الخاصة فقط بل أمر بتحويل بعض المزارع إلى مزرعة للنباتات العطرية، النهضة التي أنشأها لويس الخامس عشر جعلت من باريس مركزا مهما في صناعة العطور وزراعة النباتات العطرية.
ومن الملوك المهتمين بالعطور أيضا نابوليون بونبارت الذي عرف عنه بالاهتمام بالترف فقد اهتم أيضا بدهن العربة الملكية بالعطور ويقال أنه في وقت من الأوقات كان يستخدم 60 زجاجة من عطر الياسمين في الشهر وكان أحب العطور إليه هو عطر الجوزفين لاحتوائه على المسك العربي الأصيل.
في إنجلترا لم تكن صناعة العطور شيء مهما إلا بعد مجئ هنرى الثامن الذي أدخل هذه الصناعة إلى بريطانيا وأيضا الملكة إليزابيث الأولى أهتمت كثيرا بصناعة العطور حيث يقال أنها لم تكن تستطيع تحمل أي رائحة سيئة الأمر الذي سبب لها مرض في لسانها، وكانت السيدات تأتي إلى بيت الملكة إليزابيث للتنافس في أفضل العطور رائحة.
وحدث التغيير الكبير عندما جاءت الكيمياء الحديثة فقد شهدت صناعة العطور تقدما عظيما بعد الثورة الصناعية الكبرى كما بدأ استخدام العطور بشكل شائع في كل طبقات الشعب بل وعندما كان سعر العطور يزيد تحدث مظاهرات في لندن، قبل وصول الكيمياء الحديثة إلى الأمريكتين كانت هناك وصفة شعبية تعتمد على مياه من نهر فلوريدا (لاعتقادهم في جمال رائحته) ثم يخلط مع قرنفل وقرفة صينية وأوراق الليمون ،واخذت بالتطور طريقة صناعة العطورات لتصبح استخدام مذيباً نقياً يتم استخراجه من النفط.
ثم يدور هذا المذيب علي تيجان الأزهار النضرة إلي أن يصبح مركزاً بالعطر، ويتم فصل المذيب بواسطة عملية التقطير. ويُنقى العطر بالكحول ويكمن حالياً تركيب العطورات من مواد كيميائية بحيث تبدو وكأنها روائح طبيعية وأصبحت صناعة العطور لها شركات كبرى متخصصة في هذا المجال.