قبل البدء في الحديث عن زواج المتعة في الاسلام لا بد لنا من تعريفه والتعرف على نشأته وسبب النهي عنه
تعريف زواج المتعة في الاسلام
زواج المتعة في الاسلام هو الزواج الذي يقصد فيه الطرفان التمتع الجسدي بينهما لفترة زمنية محددة ، وهذا النوع من الزواج كان موجودا في الجهل.
فلما جاء الإسلام ألغاه تدريجيًا كعادته في فطام النفس عن عاداتها ، كالتدريج في تحريم الخمر ، فأباحه الإسلام في نطاق ضيق حتى الحد للضرورة ، وذلك أثناء سفر الرجال في الفتوحات الطويلة ، ونفاد صبرهم على النساء ، فأجازوا المتعة في هذا الظرف كحالة طوارئ.

ثم أعلن الرسول صلى الله عليه وسلم الكلمة الأخيرة عن زواج المتعة في الاسلام ونهى عنه في كل الأحوال.
واستمر سيدنا عبد الله بن عباس في إجازته في حالات الضرورة ، وعندما رأى أن الناس أساءوا تطبيق فتواه ، استمر باقي الصحابة في تحريمها في جميع الأحوال ، فأصبح زواج المتعة محرما نهائيا.
وهذا ما أفتى به الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، وإليك نص فتواه :
الزواج في الإسلام عقد متين وميثاق غليظ، يقوم على نية العشرة المؤبدة من الطرفين لتتحقق ثمرته النفسية التي ذكرها القرآن -من السكن النفسي والمودة والرحمة- وغايته النوعية العمرانية من استمرار التناسل وامتداد بقاء النوع الإنساني فقال رب العزة والجلال في سورة النحل : وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72) .
إقرأ أيضاُ
حكم الاجهاض في الاسلام – متى يجوز إجهاض الجنين شرعاً
وكان السر في إباحة زواج المتعة في الاسلام أولا أن القوم كانوا في مرحلة يصح أن نسميها (فترة انتقال) من الجاهلية إلى الإسلام، وكان الزنى في الجاهلية ميسرا منتشرا فلما جاء الإسلام، واقتضاهم أن يسافروا للغزو والجهاد شق عليهم البعد عن نسائهم مشقة شديدة، وكانوا بين أقوياء الإيمان وضعفاء؛ فأما الضعفاء، فخيف عليهم أن يتورطوا في الزنى، أقبح به فاحشة وساء سبيلا.
وأما الأقوياء فعزموا على أن يخصوا أنفسهم، أو يجبوا مذاكيرهم كما قال ابن مسعود: “كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس معنا نساء فقلنا: ألا نستخصي؟ فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ورخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل”.
وبهذا كانت إباحة المتعة رخصة لحل مشكلة الفريقين من الضعفاء والأقوياء، وخطوة في سير التشريع إلى الحياة الزوجية الكاملة، التي تتحقق فيها كل أغراض الزواج من إحصان واستقرار وتناسل، ومودة ورحمة، واتساع دائرة العشيرة بالمصاهرة.

حكم زواج المتعة في الاسلام عند أهل السنة
وقد أفتى علماء الأمة الإسلامية بتحريم الزواج المؤقت ، وأنه زواج باطل. وقد أجمع عدد من علماء الأمة على تحريمها بشكل قاطع بعد أن أجازه الأوائل، ومن هؤلاء العلماء ابن المنذر والقاضي عياض، والإمام الخطابي، وقد استدل علماء الأمة على تحريم نكاح المتعة من كتاب الله تعالى وسنة نبيه الكريم، فمن القرآن الكريم قوله تعالى: (والَّذِينَ هُم لِفُرُوجِهِم حَافِظُونَ* إِلَّا عَلَى أَزوَاجِهِم أو مَا مَلَكَت أَيمَانُهُم فَإِنَّهُم غَيرُ مَلُومِينَ*فَمَنِ ابتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ العَادُونَ).
والحكمة في الآية الكريمة أن الزواج المؤقت لا يعتبر زواج شرعي دائم ، لأن عقد الزواج المؤقت لا يترتب عليه حق الميراث بين الطرفين ، وأحكام عقد الزواج الشرعي من العدة.
ولا ينطبق عليها الطلاق الثلاث ، كما أن المتزوج بصيغة المتعة لا يحلف يمينًا لأنه لا يحق له بيعها أو شرائها ، وبذلك يكون زواج المتعة شكلاً من الاعتداء التي ذمها الله تعالى في كتابه العزيز، وأما أدلة تحريم المتعة من السنة النبوية فقد جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام قوله: (يا أيها الناس إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً).
حكم زواج المتعة في الاسلام عند الشيعة
زواج المتعة في الاسلام عند المذهب الشيعي يسمى أيضاً بالزواج المنقطع ، أو بالزواج إلى أجل ، وهو كالزواج الدائم لا يتم إلا بعقد صحيح دال على قصد الزواج صراحة ، ويحتاج العقد إلى إيجاب ، وهو قول المرأة أو وكيلها : زَوَّجتُ أو أنكحتُ أو مَتَّعتُ ، ولا يكون بغير هذه الألفاظ الثلاثة أبداً ، وإلى قبول من الرجل ، وهو : قبلتُ ، أو : رضيتُ .
وكل مقاربة تحصل بين رجل وامرأة من دون هذا العقد فهي سفاح وليست بنكاح حتى مع التراضي والرغبة الأكيدة ، وإذا كان العقد بلفظ : أَجَّرتُ ، أو : وَهَبتُ ، أو : أَبَحتُ ، ونحوها ، فهو لغو لا أثر له أبداً ، ومتى تم العقد كان لازماً يجب الوفاء به ، وألزم كل واحد من الطرفين بالعمل على مقتضاه .
ولا بد في عقد المتعة من ذكر المَهر ، وهو كَمَهر الزوجة الدائمة لا يتقدر بقلة أو كثرة ، فيصح بكل ما يتراضى عليه الرجل والمرأة ، ويسقط نصفه بهبة الأجل ، أو انقضائه قبل الدخول ، كما يسقط نصف مَهر الزوجة بالطلاق قبل الدخول .
ولا يجوز للرجل أن يتمتع بذات محرم كَأُمِّه، وأخته ، وبنته ، وبنت أخيه ، وبنت أخته ، وعمّته ، وخالته ، نسباً ولا رضاعاً ، ولا بأم زوجته ، ولا بنتها ، ولا أختها ، ولا بمن تزوج أو تمتع بها أبوه أو ابنه ، ولا بمن هي في العِدَّة من نكاح غيره ، ولا بمن زنى بها وهي في عصمة غيره ، فالمتعة في ذلك كله كالزوجة الدائمة من غير تفاوت .
وعلى المتمتَّع بها أن تَعتَدَّ مع الدخول بعد انتهاء الأجل ، كالمطلَّقة ، سوى أن المطلَّقة تعتد بثلاث حيضات ، أو ثلاثة أشهر ، وهي تعتد بحيضتين أو بخمسة وأربعين يوماً .

أما العِدَّة من الوفاة فهما فيها سواء ، ومدتها أربعة أشهر وعشرة أيام ، سواء أَحَصَل الدخول أم لم يحصل ، والولد من المتعة كالولد من الزوجة الدائمة في الميراث والنفقة وسائر الحقوق المادية والأدبية .
ولا بد من أَجَلٍ معين في المتعة يُذكر في متن العقد ، وبهذا تفترق المتعة عن الزواج الدائم ، لأنها تنتهي بانتهاء أجلها ، أما الطلاق فهو فراق وانفصام لعرى الزواج الدائم .
ولا ميراث للمتمتَّع بها من الزوج ، وكذلك لا نفقة لها عليه ، والزوجة الدائمة لها الميراث والنفقة ، ويجوز للمتمتَّع بها أن تشترط على الرجل ضمن العقد الإنفاق والميراث ، وإذا تم هذا الشرط كانت المتمتع بها كالزوجة الدائمة من هذه الجهة أيضاً ، كما أنه يُكره التمتع بالزانية .
هذه هي المتعة ، وهذي حدودها وقيودها ، كما هي مدوَّنة في جميع الكتب الفقهية للشيعة الإمامية ، ولكن على الأساس الذي بَيَّنَّاه ، وعلى الرغم من ذلك فإن أغلبية الشيعة لا يتزوجون بهذا الزواج ، وهو غير شائع ولا متعارف عندهم .
وإنما يتزوج هذا الزواج نفرٌ قليل من الشيعة ، وذلك لحاجتهم الماسَّة إلى المتعة ، وكي لا يقعون في الحرام ، حيث لا قدرة لهم على الزواج الدائم من الناحية المادِّية مثلاً ، أو غيرها ، وإنما الزواج الشائع بينهم هو الزواج الدائم المعروف المألوف عند جميع الطوائف والأمم .